منذ تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي شهد الجنيه الإسترليني انخفاضات شديدة أمام معظم العملات الرئيسية العالمية وخاصة اليورو، وتتجه أنظار الأسواق المالية إلى قرارات التي سوف يتخذها كل من البنك المركزي الأوروبي والبنك المركزي الإنجليزي، في اجتماعاتها خلال الأسابيع القادمة، والتي سوف تحدد بنسبة كبيرة حركة زوج اليورو مقابل الجنيه الإسترليني.
الجنيه الإسترليني انخفض بأكثر من 21% أمام اليورو حسب بيانات منصة ufx لتداول العملات، منذ تأكد البريكسيت في يونيو/حزيران من العام الماضي، حيث وصل إلى المستوى 0.93، والسؤال الذي يطرحه الآن الكثير من المستثمرين إلى متى سوف يستمر الجنيه الإسترليني في الانخفاض وهل سوف نشهد مستوى تعادل تاريخي بين الجنيه الإسترليني والعملة الموحدة.
الكثير من المحللين يتوقعون المزيد من الانخفاضات في قيمة الجنيه الإسترليني بالنظر إلى العوامل الكلية للاقتصاد البريطاني، الذي يعاني من ارتفاع مستويات التضخم مع انخفاض في نسبة النمو. على عكس اقتصاد منطقة اليورو الذي يشهد انتعاشا لم هو الأقوى منذ سنوات، وهو ما حفز البنك المركزي الأوروبي على الإعلان عن قرب تخفيف حجم برنامج التيسير الكمي وهو ما يعني دعم أكبر لليورو.
في موجة الصعود الأخيرة لليورو مقابل الجنيه الإسترليني والتي دامت أربعة أسابيع متتالية وصل الزوج إلى مستوى 93 بنس (كل شركات الفوركس توفر التداول الفوري على هذا الزوج)، وهو أعلى مستوى للزوج في ثمان سنوات، الزوج إرتفع أكثر من 10% خلال فترة تزيد قليلا عن الثلاثة أشهر وهو على بعد 7% من تحقيق مستوى التعادل.
مستوى التعادل هذا الذي اقترب الزوج من تحقيقه في كانون الأول/ديسمبر من عام 2008 بعد ارتفاع اليورو أمام الجنيه الإسترليني بأكثر من 45% خلال أقل من عام، بسبب تأثر الاقتصاد البريطاني بأزمة الرهون العقارية في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن الزوج تراجع عند مستوى 98 بنس.
المفارقة بالنسبة لزوج اليورو والجنيه الإسترليني هي أن قيمتهما على المدى القريب إلى المتوسط تتعلق بنسبة كبيرة جدا بسياسة البنك المركزي الأوروبي والإنجليزي خلال الأسابيع القادمة، مع بقاء قضية البريكسيت المشكل الرئيسي على المدى الزمني البعيد.
المشكل هو أن البنكين المركزيين يعالجان مشكلتين متناقضتين، فمنطقة اليورو تعاني من انخفاض معدلات التضخم وارتفاع اليورو يعمق من هذا المشكل، أما بالنسبة لبريطانيا فهي تعاني من ارتفاع التضخم فوق المستوى المستهدف من قبل البنك المركزي الإنجليزي وانخفاض الجنيه الإسترليني يفاقم هذه الوضعية.
التدخل المباشر للبنكين المركزيين في الأسواق من أجل دعم العملة في اتجاه معين تبقى مستبعدة جدا بإجماع المحللين والمراقبين، ماعدا التدخلات اللفظية التي يستعملها عادة صانعو السياسات النقدية من أجل كسب بعض الوقت لإيجاد حلول دائمة.
سبب هذا التعقيد في العلاقة بين أسعار الجنيه الإسترليني واليورو، هو وجود الروابط الإقتصادية القوية جدا بين بريطانيا ومنطقة اليورو، فأكثر من نصف صادرات بريطانيا تذهب إلى منطقة اليورو، فيما تستورد 13.4% من صادرات الدول 19 المشكلة للعملة الموحدة وهي بذلك ثاني شريك تجاري بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
ويمثل اليورو حوالي 50% وزن مؤشر سعر الصرف الفعلي Trade-weighted exchange rate index، فيما يمثل الجنيه الإسترليني 15 من مؤشر سعر الصرف الفعلي لليورو، وتعتمد البنوك المركزية على هذا المؤشر في رسم توقعاتها المستقبلية لمعدلات التضخم والنمو.
كان أداء اليورو في عام 2017 هو الأقوى بين أغلب العملات الرئيسية العالمية، وعكس ارتفاع اليورو وخاصة أمام الجنيه الإسترليني والدولار، أولا التحسن الكبير الذي شهده اقتصاد منطقة اليورو، وأيضا بسبب الضبابية التي تحيط بنهج الاحتياطي الفدرالي اتجاه عدد مرات رفع الفائدة، إضافة إلى التوقعات السلبية للاقتصاد البريطاني بسبب البريكسيت.
ارتفاعات اليورو أثارت قلق الكثير من صناع السياسة النقدية الأوروبية، ومن المحتمل جدا أن يتم مناقشة هذا الأمر خلال اجتماعات البنك المركزي الأوروبي في الأسابيع القادمة ولكن أغلب المحللين لا يتوقعون أن يقوم البنك المركزي باتخاذ أي إجراء في ها الخصوص ماعدا التصريحات اللفظية.
قوة اليورو الرئيسية أمام العملات الأخرى تكمن في التعافي القوي لمؤشرات الاقتصاد الكلي بأسرع وتيرة منذ ستة سنوات، وبالتالي فإن احتمال أن تشهد مزيدا من الارتفاعات في زوج اليورو باوند أمر وارد جدا.
- الدولار الأمريكي يمحو إلى حد كبير مكاسب 2024 وسط التوقعات بخفض أسعار الفائدة الفيدرالية - 17 سبتمبر, 2024
- أزواج العملات النادرة في سوق الفوركس - 26 مايو, 2023
- أهم النصائح لبدء التداول في سوق الفوركس - 20 أبريل, 2023